طلابنا وصعوبة
الرياضيات في المرحلة الجامعية
د. فاطمة بنت عبدالله
السليم
إن المتتبع للشؤون الاكاديمية للطلاب المبتعثين في
المراحل الاكاديمية في الجامعات والكليات المختلفة يلاحظ أن أكثر الشكاوي تتمحور
حول صعوبة مواد الرياضيات في المرحلة الجامعية
. وتزداد هذه الصعوبة تفاقماً في بعض التخصصات التي تحتاج الى الرياضيات أو
تعتمد في فهم نظرياتها وأسسها العلمية الى خلفية كافية في التفاضل والتكامل
والجبر. أهم هذه التخصصات هي تخصصات الهندسة بجميع فروعها ، وعلم الحاسب الآلي ،
وبعض تخصصات ادارة الأعمال . أما العلوم الطبيعية البحته فهي تعتمد اعتماداً
كبيراً على خلفية الطالب في الرياضيات كالكيمياء والفيزياء والجيولوجيا وعلم الفلك
والاحياء مع فروعها المختلفة .
بالنسبة
للطلاب المتخرجين من المدارس الثانوية في المملكة ، سواء كانت حكومية أو اهلية ،
فأغلب الطلاب إلا ما ندر يعانون من صعوبة في مواد الرياضيات المخصصة للفروع
العلمية والهندسة ، وكثير من هؤلاء الطلاب يستغرق سنتين أو أكثر من مدة الابتعاث
في بذل محاولات متكررة من الرسوب والاعادة لعدد من المرات على أمل أن يستطيع
الطالب إحراز الدرجة المطلوبة في الرياضيات والتي يعتمد عليها القبول النهائي في
أغلب تخصصات الهندسة والحاسب الآلي وبعض فروع إدارة الاعمال . بعض الطلاب يصابون بإحباط
شديد ، ويعايشون شعوراً مريراً بالفشل ، ويخالجهم الشعور مرات عديدة بأنهم ليسوا
بالكفاءة المطلوبة للنجاح الأكاديمي ، أو يخالون أن ذكاءهم أقل من زملائهم في نفس
المرحلة ، وبأن مستوى الذكاء لديهم لا يؤهلهم لدخول التخصصات التي يرغبونها أو
ابتعثوا من أجل الحصول عليها . هذه المشاعر ليست هينة ، وقد تودي بالطالب إلى أن
يكون مريضاً بالإكتئاب ، فيُظلِم العالم في عينيه ، ويُزايله الشعور القديم بالأمان
، ويشعر في أعماقة بالإعاقة والعجز ، وعدم
القدرة ، وفقد الثقة في النفس، وبالتالي قد تُفضي به هذه المشاعر المُحْبِطَة الى فقْد
المعنى والهدف من الحياة . إن وقع تجربة تذوق الفشل الدراسي على وجدان بعض الطلاب ومعاناة
فقدان الشعور بالقدرة على تحقيق الهدف بالوسائل المشروعة لهي من أعنف وأقسى
المشاعر التي يمكن أن تخالج شاباً في مقتبل العمر وفي ريعان الشباب وتحيله الى شخص
قانط ضعيف ومنسحب ، وربما تدفع به الى التفكير في محاولة الوصول إلى الهدف بوسائل
غير مشروعة لا سمح الله .
إن السؤال الذي يبرز إلى الواجهه دائماً هو ماهي
الاسباب التي تجعل من الرياضيات مادة صعبة البلوغ والاستيعاب على كثرةٍ غالبة ٍمن
الشباب اليوم؟ وفي الحقيقة لقد بحثتُ عن إجابة شافية لهذا التساؤل الملح والذي
يتوقف عليه مستقبل عددد كبير من أبنائنا وبناتنا المبتعثين والمبتعثات . ولقد طرحتُ
أيضاً هذا الموضوع الحيوي والمهم للنقاش والتحاور مع عدد من مسؤلي وأساتذة بعض
الجامعات الامريكية كلما سنحتْ فرصةٌ للالتقاء بهم وبحث أهم المشكلات التي يعاني
منها طلابنا في الجامعات الامريكية .
وفي الحقيقة فإن هناك عدداً متضافراً من العوامل
والأسباب قد أدت جميعها أو بعضها الى خلق هذه العقبة الكأداء أمام الطلاب
والطالبات خاصة في مرحلة البكالوريوس. ولعلني في هذا المقال أتلمس أهم هذه العوامل
وأضع اصبعي على بعض هذه الأسباب .
وقبل الدخول في خِضَمّ التفاصيل التي تتعلق مباشرة
بهذه المشكلة أود الاشارة إلى أن نتائج بعض البحوث العلمية الحديثة تؤكد على أن
التميز في مواد الحساب والرياضيات يعتبر نوع من الملكات أو المواهب التي تعطى لبعض
الناس دوناً عن الآخرين . ومعنى هذا أن الأشخاص الذين لا يتمتعون بهذه القدرة على
الحساب واستيعاب الرياضيات لا يعنى كونهم أغبياء أو أقل ذكاءً من أقرانهم الذين
يتمتعون بقدرة رياضية أعلى منهم . إن القدرة على الحساب واستيعاب النماذج وحل
المعادلات الرياضية المعقدة هي قدرة من بين مجموعة من القدرات العقلية التي يتمتع
بها أناس دون آخرين . وهذه القدرة الرياضية مثلها مثل بقية القدرات العقلية الأخرى
، كالقدرة على عزف الآلات الموسيقية ، والقدرة على التأليف الموسيقي أو الغناء ، والقدرة
على سبك الشعر ، والقدرة على التأليف والكتابة ، والقدرة على ادارة العمل بنجاح
لعدد كبير من الموظفين ، والقدرة على
قيادة الجيوش ، والقدرة التحليلية والقدرة على الابداع والاختراع وغيرها من
القدرات الأخرى كثير .
هناك في علم النفس الاجتماعي الحديث مساران متوازيان
من التفكير . أحدهما يؤكد أن القدرة الرياضية ، وجميع أشكال القدرات الأخرى هي
قدرات وراثية ذات مصدر فطري يولد الإنسان مجهزاً بهذه القدرة الرياضية ، وهذه
القدرة يرثها الابناء من آبائهم وأمهاتهم
كما تورث جميع الصفات الوراثية والقدرات الأخرى . فالطفل الذي أبوه أو أمه من
المجيدين للرياضيات ومن النابغين أو النابغات في علم الجبر والحساب ، فإن الطفل سيكون
أكثر ميلاً إلى أن يكون مشابهاً في قدراته لأحد والديه . ويعتمد هذا التيار الفكري
في علم النفس على نتائج البحوث التي طبقت على القدرات الأخرى كالقدرة على الرسم ،
والنحت ، وتأليف الموسيقى ، والعزف والغناء ، وقرض الشعر ، وغيرها من المواهب
الأخرى . فالأطفال الموهوبين غالباً ما يكون لدى أحد الوالدين أو الأجداد حاملاً
ومجيداً لهذه القدرة سابقاً . ومن هنا فإن أنصار هذا التيار الفكري يرون أن بعض
الناس يولد مجهزاً تماماً بهذه القدرة ، وما تلبث هذه القدرة أن تزدهر وتتفتح
وتثمر مع التدريب والصقل والممارسة في سِنيّ الطفولة الأولى .
أما التيار الثاني وهم أنصار المدرسة السلوكية في
علم النفس الحديث ، فيرى أن الناس يولدون متساوين في قدراتهم الابداعية والذهنية Tabula
Rasa، وليس هناك أي فرق بين الأطفال في سني
الطفولة المبكرة . ولكن العامل الحاسم في تمايز قدرات الاطفال يعود الى نوع البيئة
وطبيعة المحرضات البيئية الموجودة حول الطفل والتي يتفاعل معها الطفل ويتعرض لها
بشكل مكثف . ومن هنا كانت القدرة على التميز في مجال الرياضيات والحساب هي أحد
القدرات التي تتكون وتتشكل بتأثير البيئة والخبرة المباشرة ، أي أن البيئة التي
ينشأ فيها الطفل وتتشكل فيها خاماته الذهنية والمعرفية الأولى لها دور عظيم وحاسم
أحياناً في إبراز وصقل هذه القدرة أو في تحييدها وإخمادها والقضاء عليها في بعض
الأحيان .
وبناء على ما سبق فإن تدريب الأطفال منذ السنوات
المبكرة ، أي في فترة سن الحضانة والروضة
على العمليات البسيطة في الحساب ، وتدريب ذاكرتهم على الطرق الرياضية في فهم
الأرقام وإدراك علاقاتها ، و تدريب القدرة على التخيل ، وعلى ربط المعطيات
وتحليلها واستنتاج النتائج لهو العامل الأوفر والحاسم في إعداد الطفل ليكون قادراً
على فهم المواد الأكثر صعوبة وتعقيداً عند الكبر. وقد دلت التجارب العلمية الى أن
الاطفال يبدأون بإدراك الارقام وبفهم مقدار بسيط جداً من العمليات الحسابية منذ سن
الثالثة . فالطفل في سن الثالثة يفهم معنى قسمة التفاحة الى نصفين ، ويفهم ويميز
شكل الارقام وربما يستطيع أن يعد الى عشرة في بعض الحالات. وبناء على هذه الحقائق
فإن الإعداد والتدريب الذي يتلقاه الطفل منذ مرحلة الروضة الى السنين الاولى في
المرحلة الابتدائية تشكل تقريباً جل التشكيل الذهني للطفل ، وتحدد الى درجة كبيرة
المدى الذي يمكن على أساسه الحكم على شخص ما إن كان سيكون ناجحاً في حياته
الدراسية والعملية أم لا .
إنّ كثير من البحوث العلمية حول علاقة القدرة
الرياضية بتعليم الأطفال منذ الصغر تشير إلى أهمية الربط بين القدرة الرياضية
والقدرة على التخيل . فالطفل بين سني الثالثة والثامنه جامح الخيال ، وقدرته على
التخيل والتصور تصل أوجها في هذه السن التي يجب أن تستثمر في تنمية القدرة
الرياضية لدى الطفل . ذلك أن القدرة الرياضية هي ذاتها قدرة على التصور والتخيل في
المحل الأول ، ولكنها قدرة مربوطة أكثر فأكثر بعامل المنطق والتفكير العقلاني الذي
يربط الاسباب بالنتائج .
وبالنظر الى واقع تعليم الأطفال في بلادنا العربية
من المحيط الى الخليج ، فإن مثل هذه النظرة العميقة الى أهمية الإعداد والتدريب
الذهني المبكر للاطفال في علاقتها بأدائهم الرياضي في المستقبل تبدو شبه غائبة عن
الغالبية العظمى من قطاعات التعليم في بلادنا . فنسبة الأطفال الذين لا يلتحقون
أساساً برياض الأطفال ولا يبدأون تعليمهم الفعلي الا في سن السادسة يشكلون الاغلب
الأعم من الاطفال العرب ، كما أن نسبة الأطفال الاناث اللواتي يحرمن من التعليم
المبكر تبلغ أضعاف نسبة الأطفال الذكور في معظم البلاد العربية.
يضاف الى ما سبق حقيقة أن مجرد الالتحاق في مدارس
رياض الأطفال لا يضمن الانتباه الكافي الى أهمية الإعداد الذهني الرياضي للطفل في
تلك السن المبكرة . ولعله لا يخفى أن معظم مناهج التعليم في رياض الاطفال في
العالم العربي تنظر للطفل على أنه أقل بكثير من أن يدرك الارقام ويفهمها ويدرك العلاقات
بينها ويبدأ في تخيلها في ذهنه . كما أن تنمية الذاكرة الرياضية والقدرة على
الحساب لا تُعطى أهمية تذكر في مناهج التعليم في رياض الاطفال والصفوف الأولى
الابتدائية إذا ما قورنت بالتركيز على مهارات القراءة والكتابة . فجهود المعلمات
في أغلب مدارس رياض الاطفال ينصب على تعليم الحروف وحفظها وقراءتها وادراك أشكالها
، أما الأرقام أو العمليات الحسابية البسيطة فهي في أغلب الأحيان ليست على أولويات
التعليم المبكر. ولعلك تدخل الى أي فصل من
فصول الاطفال في مرحلة الروضة لتجد الفصل مزيناً بالصور والكلمات والحروف والأسماء
ونادراً جداً ما تجد شيئاً له علاقة بالحساب او الارقام.
التعليم
الابتدائي أيضاً لا يساهم مساهمة فعالة في ارساء أرضية صلبة لتعليم الأطفال الحساب
والرياضيات بشكل مبسط ومتدرج ومحبب . هناك كثير من المشاكل التي تتشارك بها غالبية
البلدان العربية وربما أمريكا أيضا كبلد متقدم بالنسبة الى تعليم الرياضيات في
مراحل التعليم العام . أهم هذه الجوانب عدم توفر المدرس الجيد والموهوب والذي
يستطيع قيادة الأطفال في صفوفه الى فهم واستيعاب العمليات الحسابية ويجعلها مرغوبة
ومحببة الى نفوسهم .هذا المدرس الموهوب يستطيع أن يصقل القدرات الكامنه لدى كل طفل
، ويحفز عملية التعليم لتصبح نوعاً من المتعة العقلية التي يرغب الاطفال في
تكرارها مع كل درس جديد في الحساب . الواقع الآن في معظم قطاعات التعليم العام أن
مدرس الرياضيات ليس مؤهلاً تاهيلاً كافياً لهذه المهمة الصعبة والحيوية . وفي كثير
من الأحيان ، حتى لو توفر المدرس فإنه نفسه يفتقد الى الحافز الى الاجادة وبذل كل
ما عنده من أجل عملية التعليم ، وكثير من مدرسي الرياضيات هم من غير المتخصصين ومن
غير الملمين بالطرق الصحيحة لتدريس الرياضيات كمادة متخصصة يفترض أن تختلف طرق
تدريسها عن بقية المواد الأخرى . فتجد في كثر من الأحيان أن مدرس الرياضيات قد تم
إغراقه بتدريس مواد أخرى لا علاقة لها بالرياضيات من أجل اكمال الجدول الدراسي ،
أو مغرق بعدد كبير جداً من الطلاب في كل صف مما يضيع معه قيمة أي جهد يمكن أن يبذل
.
يضاف إلى ذلك نشوء نوع من الثقافة الكارهة والمناوئة
لكل ما يتعلق بالحساب والرياضيات لدى أجيال مختلفة من المتعلمين العرب. وقد نشأت
هذه الثقافة عبر تراكم كمّ من الخبرات السلبية والمؤلمة أحياناً والمرتبطة بتعلم
الرياضيات في المدارس العامة . ففي كثير من الأحيان يكون مدرس الرياضيات هو "
البعبع" المخيف للاطفال ، وهو أكثر المدرسين كراهية ومقتاً من قبل الطلاب
والطالبات . ويعمد كثير من مدرسي الرياضيات الى أساليب العنف المباشر أو التهديد
به أو أساليب القمع النفسي مع الأطفال في الفصول الدراسية ، مما يخلق نفوراً
وكراهية مبكرة مرتبطة ارتباطاً جذرياً بهذه الخبرات السلبية والمؤلمة بمادة
الرياضيات . وهكذا تصبح مادة الرياضيات عبئاً كريهاً يجب التعايش معه طوال مدة
الدراسة في مراحل التعليم العام ، ومحاولة التخلص منه في أقرب فرصة سانحة بعد ذلك.
مناهج
الرياضيات في معظم مراحل التعليم العام ليست مدروسة بالشكل الكافي . فكثير منها لا
يتناسب مع المرحلة العمرية للطلاب ، وبعضها كثير التكرار والتفاصيل ، وبعضها يركز
على عمليات تبتعد عن الطرق الرياضية البحتة في الحساب مما يدخل الطلاب بكثير من
الحيرة والتعب . كما أن التفارق بين مستوى مادة الرياضيات بين مستوى وآخر وبين سنة
ما والسنة التي تليها يكون كبيراً جداً في بعض الحالات ، مما يجعل الطالب يواجه
مشكلة في فهم واستيعاب الرياضيات بشكل مفاجىء لم يستعد له مسبقاً .
الجانب الأهم في رأيي هو وجود نوع من الهوة الحقيقية
بين ما استوعبه الطالب في مرحلة الثانوية ومستوى مواد الرياضيات في المرحلة
الجامعية . وهذه المشكلة لا يواجهها طلابنا فقط وإنما يواجهها نسبة كبيرة جداً من
الطلاب الامريكيون أيضاً بحسب ما ادلى به عدد كبير من اساتذة الجامعات الأمريكية .
وعلى ذلك يبدو أن هناك عدم اتساق وانفصال كبير بين إعداد الطالب في المرحلة
الثانوية والمستوى المعرفي الذي خلص به من تلك المرحلة وبين ما سيدرسه في المرحلة
الجامعية. الطلاب الامريكيون في المرحلة
الثانوية يتطلب منهم آداء أختبار القدرات وهو ما يسمى ب SAT ، ويذكر غالبية الطلاب الذين جربوا هذا الاختبار أن جزءا كبيراً
من القسم الخاص بمادة الرياضيات هو عبارة عن أسئلة ومسائل رياضية لم تمر بخبراتهم
ابداً ولم يسبق لهم التدريب عليها في مناهج المرحلة الثانوية سابقاً . فهذا
الاختبار الذي يفترض فيه قياس مستويات الطلاب في المعلومات التي سبق لهم استيعابها
يتضمن أيضاً قياس مجموعة من المعلومات التي لم تدخل في خبرة هؤلاء الطلاب مسبقاً .
والافتراض الأقرب الى الذهن هنا والذي يمكن أن يفسر التفارق بين خبرات الطلاب
الفعلية وبين طبيعة الخبرات التي يجب عليهم الاجابة عليها في اختبار ال SAT هو أن يكون هناك اختلافات واضحة في محتوى وطبيعة
مناهج الرياضيات بين المدارس الامريكية في المرحلة الثانوية نفسها . فمحتوى المنهج
ومستواه يخضع كثيراً لرؤية مجلس التعليم العام في كل ولاية من الولايات.
أما بالنسبة للطلاب السعوديين فهم أيضاً يعانون من
وجود هوة بين مستوى ما تعلموه من رياضيات وما سيدرسونه في الجامعات الأمريكية .
تضيق هذه الهوة أو تتسع بحسب عدد من المتغيرات منها مستوى المدرسة التي تخرج منها
الطالب ، وإن كانت المدرسة حكومية أو أهلية ، وإن كانت لغة التدريس في المدرسة هي
اللغة العربية أم اللغة الانجليزية ، وإن كانت المدرسة في مدينة أو في قرية .
فالملاحظ أن الطلاب المتخرجين من مدارس حكومية مستواهم النوعي في مواد الرياضيات
أقوى من زملائهم في المدارس الخاصة وإن كانت درجات هؤلاء الأخيرين حسب الكشوف
النهائية للدرجات تثبت العكس . فرغم أن درجات خريجي المدارس الحكومية أقل من
نظيرتها من خريجي المدارس الخاصة إلاّ أن نوعية التعليم في كثير منها أقوى وأقضل .
كذلك فإن خريجي المدارس التي تدرس باللغة الانجليزية غالباً ما يكونون أقوى من
نظرائهم الذين يدرسون باللغة العربية . فالمناهج في المدارس الأجنبية مأخودة
مباشرة من بلدانها الأصلية ، كما أن نوعية التعليم فيها أفضل نظراً لارتفاع كلفة
التعليم وندرته في أغلب الأحيان . والملاحظ في السعودية وجود نوعان من المناهج في
المدارس التي تتبع نظم التعليم باللغة الانجليزية . فهناك مجموعة المدارس التي
تتبع المناهج الأمريكية ، وخريجيها لا تختلف مستويات اعدادهم الرياضي عن زملائهم
من الطلاب الامريكان . وهناك المدارس التي تتبع المناهج البريطانية ، وخريجيها
يواجهون بعض الصعوبات حينما ينضمون الى جامعات أمريكية حيث أن محتوى مناهج التعليم
البريطانية تختلف في بعض الجوانب عنها في أمريكا.
ومما لاشك فيه فإن الأغلب الأعم من الطلاب المبتعثين
تخرجوا من مدارس تعلم باللغة العربية . ولا شك بأن هؤلاء الطلاب سيواجهون مشكلة أولية
تتمثل في استيعاب المصطلحات الرياضية وفهم مدلولاتها باللغة الانجليزية محولة
تماماً من مقابلاتها باللغة العربية. ويحتاج هذا التعود الى إلمام باللغة
الانجليزية بطريقة صحيحة وقادرة على جعل الذهن يعمل من خلال التخيل والحساب باللغة
الانجليزية بدلاً من العربية . ومن هنا فإن الطالب الذي لم يحصل على إعداد كاف
باللغة الانجليزية قبل أن يخوض غمار الدراسة الاكاديمية فهو سيواجه مشكلة مضاعفة
عند دراسة مواد الرياضيات والحساب . ومن هنا تتضح الأهمية القصوى لإعداد وتحضير الطالب
والتأكد من استيعابه الكافي للغة الانجليزية قبل أن يدخل المجال الاكاديمي.
ولعل مشكلة صعوبة مواد الرياضيات تبرز أكثر وضوحاً
في الجامعات التي تتطلب مستوىً متدنياً من إجادة اللغة الانجليزية كشرط للقبول الاكاديمي . فالطالب يُقبل نهائياً
في الجامعة ويبدأ بالدراسة الأكاديمية ولكنه يواجه صعوبات جمة في مجال الرياضيات
يرجع قسم منه الى ضعف اعداده اللغوي في مرحلة الدراسة للغة الانجليزية. ولعل العكس
صحيح ، فالجامعات التي تتطلب مستوى عال من اجادة اللغة الانجليزية تكون فيها نسبة الطلاب
الذين يواجهون مشكلاً ت مع مواد الرياضيات أقل ، فكأن هناك تناسب طردي بين إجادة
الطالب للغة الانجليزية ومدى نجاحه الاكاديمي وخاصة في مواد الرياضيات.
هناك أيضاً جانب ثقافي يتدخل بشكلٍ أو بآخر في مدى
النجاح في مواد الرياضيات الجامعية. فمن المعروف أن الاستيعاب الأمثل للرياضيات
يعتمد بشكل كبير على الممارسة والتدرب المستمر والاحتكاك الطويل مع المادة . وهذا
الجانب يجعل النجاح في مواد الرياضيات يتناسب تناسباً طردياً مع نسبة الوقت الذي
يخصص للدراسة ولحل الواجبات والتدريب على المسائل المختلفة والاعتماد على الذات في
هذا كله. ولعله من نافل القول الاشارة الى
أن الشعور بالاستقرار الذي يتيح الفرصة للتركيز والتفكير العميق والتوحد مع النفس ، مع التحلي بالصبر والمجاهدة
والمثابرة هذه السمات لا تتوافر في الثقافة العربية على العموم لأسباب تاريخية
واجتماعية لا مجال للخوض فيها الآن . كما أن معطيات العصر الحديث من توفر الحاسوب
والانترنت والالعاب الالكترونية وتجمعات الاصدقاء جميعها عوامل ساعدت على تشتيت الذهن وملىء وقته بمغريات
وملهيات كثيرة محيطة بالطالب ، وجميعها لا تساعد على استقرار الطالب في مكان واحد أو
على موضوع واحد فترة طويلة ، دع عنك مسألة
الاستغراق في حل مسألة رياضية معقدة ومتشابكة . كما أن وجود الحاسبات اليدوية
وأجهزة الهاتف النقال المزودة بحواسب صغيرة ، وتوفر أجهزة الكميوتر تعطي حلولاً
سريعة وصحيحة بدون الحاجة الى التدريب الذهني وفهم العمليات التدريجية والمترابطة
والتي أدت إلى الوصول الى النتيجة. فالعصر الحديث هو عصر السرعة والميكنه ، ومع
السرعة يتنحى الصبر وتستقيل المثابرة ويصبح السعي وراء أقصر الطرق هو الغاية
والمنتهى.
د. فاطمة بنت عبدالله
السليم .
مديرة إدارة برامج
اللغة في الملحقية الثقافية السعودية بأمريكا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق